فصل: فَصْلٌ: (فِي كَفَالَةِ الْبَدَنِ)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***


بَابُ الضَّمَانِ

الشَّرْحُ‏:‏

بَابُ الضَّمَانِ هُوَ لُغَةً الِالْتِزَامُ، وَشَرْعًا‏:‏ يُقَالُ حَقٌّ ثَابِتٌ فِي ذِمَّةِ الْغَيْرِ، أَوْ إحْضَارُ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، أَوْ عَيْنٌ مَضْمُونَةٌ، وَيُقَالُ لِلْعَقْدِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ ذَلِكَ، وَيُسَمَّى الْمُلْتَزِمُ لِذَلِكَ ضَامِنًا وَضَمِينًا وَحَمِيلًا وَزَعِيمًا وَكَافِلًا وَكَفِيلًا وَصَبِيرًا وَقَبِيلًا‏.‏ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ‏:‏ غَيْرَ أَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِأَنَّ الضَّمِينَ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْأَمْوَالِ، وَالْحَمِيلَ فِي الدِّيَاتِ، وَالزَّعِيمَ فِي الْأَمْوَالِ الْعِظَامِ، وَالْكَفِيلَ فِي النُّفُوسِ، وَالصَّبِيرَ فِي الْجَمِيعِ‏.‏ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ أَخْبَارٌ كَخَبَرِ ‏{‏الزَّعِيمُ غَارِمٌ‏}‏ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ‏.‏ وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏أُتِيَ بِجِنَازَةٍ، فَقَالَ‏:‏ هَلْ تَرَكَ شَيْئًا‏؟‏ قَالُوا‏:‏ لَا، قَالَ‏:‏ هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ‏؟‏ قَالُوا‏:‏ ثَلَاثُ دَنَانِيرَ، فَقَالَ‏:‏ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ‏}‏‏.‏ قَالَ أَبُو قَتَادَةَ‏:‏ صَلِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَيَّ دَيْنُهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ ‏"‏ وَذَكَرْت فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ مَا لَهُ بِهَذَا الْخَبَرِ، وَإِنَّمَا لِمَ أَسْتَدِلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ‏}‏ لِأَنَّهُ شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا، وَهُوَ لَيْسَ بِشَرْعٍ لَنَا عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِنْ وَرَدَ فِي شَرْعِنَا مَا يُقَرِّرُهُ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ‏.‏ وَأَرْكَانُ ضَمَانِ الْمَالِ خَمْسَةٌ‏:‏ ضَامِنٌ، وَمَضْمُونٌ لَهُ، وَمَضْمُونٌ عَنْهُ، وَمَضْمُونٌ بِهِ، وَصِيغَةٌ، وَكُلُّهَا تُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ كَمَا سَتَرَاهُ‏.‏

المتن‏:‏

بَابُ الضَّمَانِ شَرْطُ الضَّامِنِ‏:‏ الرُّشْدُ، وَضَمَانُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ كَشِرَائِهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

وَبَدَأَ بِشَرْطِ الضَّامِنِ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏شَرْطُ الضَّامِنِ‏)‏ لِيَصِحَّ ضَمَانُهُ ‏(‏الرُّشْدُ‏)‏ وَهُوَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْحَجْرِ صَلَاحُ الدِّينِ وَالْمَالِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ تَصَرُّفٌ مَالِيٌّ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ وَمَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ لِعَدَمِ رُشْدِهِمْ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

يَرِدْ عَلَى طَرْدِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ الْمُكْرَهُ وَالْمُكَاتَبُ إذَا ضَمِنَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَالْأَخْرَسُ الَّذِي لَا تُفْهَمُ إشَارَتُهُ وَلَا يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ، وَالنَّائِمُ فَإِنَّهُمْ رُشَدَاءُ، وَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهُمْ، وَعَلَى عَكْسِهَا السَّكْرَانُ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ، وَمَنْ سَفِهَ بَعْدَ رُشْدِهِ وَلَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ، وَالْفَاسِقُ فَإِنَّهُمْ يَصِحُّ ضَمَانُهُمْ وَلَيْسُوا بِرُشَدَاءَ، فَلَوْ عَبَّرَ بِأَهْلِيَّةِ التَّبَرُّعِ وَالِاخْتِيَارِ لَسَلِمَ مِنْ ذَلِكَ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ يَرِدُ عَلَيْهِ الصَّبِيُّ أَيْضًا فَإِنَّهُ وَصَفَ الصِّبْيَانَ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ بِالرُّشْدِ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّشْدِ هُنَا صَلَاحُ الدِّينِ وَالْمَالِ كَمَا مَرَّ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِطْلَاقُ الرُّشْدِ عَلَيْهِ هُنَاكَ مَجَازٌ‏.‏ وَلَوْ ضَمِنَ شَخْصٌ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ كُنْت وَقْتَ الضَّمَانِ صَبِيًّا وَكَانَ فِي سِنٍّ مُحْتَمِلٍ قُبِلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ‏:‏ كُنْت مَجْنُونًا وَعُرِفَ لَهُ جُنُونٌ سَابِقٌ صُدِّقَ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ، ثُمَّ ادَّعَى ذَلِكَ فَإِنَّ الْأَصَحَّ تَصْدِيقُ الزَّوْجِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ قُبَيْلَ الصَّدَاقِ، لِأَنَّ الْأَنْكِحَةَ يُحْتَاطُ فِيهَا غَالِبًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَقَعُ بِشُرُوطِهَا، وَإِنْ نَظَرَ فِي ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يَجْهَلُ الشُّرُوطَ، وَالْغَالِبُ عَلَى الْعُقُودِ الَّتِي يَنْفَرِدُ بِهَا الْعَامَّةُ الِاخْتِلَالُ ‏(‏وَضَمَانُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ‏)‏ فِي ذِمَّتِهِ ‏(‏كَشِرَائِهِ‏)‏ بِثَمَنٍ فِيهَا، وَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ كَمَا سَبَقَ، وَيُطَالَبُ بِمَا ضَمِنَهُ إذَا انْفَكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ وَأَيْسَرَ‏.‏

المتن‏:‏

وَضَمَانُ عَبْدٍ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ بَاطِلٌ فِي الْأَصَحِّ، وَيَصِحُّ بِإِذْنِهِ، فَإِنْ عَيَّنَ لِلْأَدَاءِ كَسْبَهُ أَوْ غَيْرَهُ قَضَى مِنْهُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَضَمَانُ عَبْدٍ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ‏)‏ مَأْذُونًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ‏(‏بَاطِلٌ فِي الْأَصَحِّ‏)‏؛ لِأَنَّهُ إثْبَاتُ مَالٍ فِي الذِّمَّةِ بِعَقْدٍ فَلَمْ يَصِحَّ كَالنِّكَاحِ‏.‏ نَعَمْ إنْ ضَمِنَ سَيِّدُهُ صَحَّ؛ لِأَنَّ مَا يُؤَدِّي مِنْهُ مِلْكُهُ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ قَدْ صَرَّحُوا بِصِحَّةِ خُلْعِ الْأَمَةِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهَا مَعَ أَنَّهُ إثْبَاتُ مَالٍ فِي الذِّمَّةِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَمَةَ قَدْ تَحْتَاجُ إلَى الْخُلْعِ لِسُوءِ عِشْرَةِ الزَّوْجِ، وَلَا ضَرُورَةَ إلَى الضَّمَانِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ يَصِحُّ وَيُتْبَعُ بِهِ إذَا عَتَقَ وَأَيْسَرَ، إذْ لَا ضَرَرَ عَلَى السَّيِّدِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِإِتْلَافِ مَالٍ وَكَذَّبَهُ السَّيِّدُ ‏(‏وَيَصِحُّ بِإِذْنِهِ‏)‏ حَتَّى عَنْ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ إنَّمَا كَانَ لَحِقَهُ وَقَدْ زَالَ بِالْإِذْنِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَضْمَنَ، وَإِنْ كَانَ الْإِذْنُ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ اقْتِصَارِ الْمَتْنِ عَلَى الصِّحَّةِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ، لِأَنَّهُ لَا سَلْطَنَةَ لِلسَّيِّدِ عَلَى ذِمَّةِ عَبْدِهِ‏.‏ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَهَلْ يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ السَّيِّدِ قَدْرَ الدَّيْنِ‏؟‏ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْمُتَّجَهُ اشْتِرَاطُهُ بِنَاءً عَلَى تَعَلُّقِهِ بِمَالِ السَّيِّدِ لَا بِذِمَّةِ الْعَبْدِ ا هـ‏.‏

أَمَّا سَيِّدُهُ فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ رَقِيقِهِ لَهُ، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي مِنْ كَسْبِهِ وَهُوَ لِسَيِّدِهِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ ضَمِنَ الْمُسْتَحِقُّ لِنَفْسِهِ‏.‏ وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ صِحَّةُ ضَمَانِ الْمُكَاتَبِ لِسَيِّدِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِذَا أَدَّى الرَّقِيقُ مَا ضَمِنَهُ عَنْ الْأَجْنَبِيِّ بِالْإِذْنِ مِنْ سَيِّدِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ فَحَقُّ الرُّجُوعِ لَهُ أَوْ قَبْلَ الْعِتْقِ فَحَقُّ الرُّجُوعِ لِسَيِّدِهِ أَوْ أَدَّى مَا ضَمِنَهُ عَنْ السَّيِّدِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ، وَإِنْ أَدَّاهُ بَعْدَ عِتْقِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَفَارَقَتْ هَذِهِ مَا قَبْلَهَا بِأَنَّ مَنْفَعَةَ الرَّقِيقِ فِيهَا وَقَعَتْ لِلسَّيِّدِ، فَكَأَنَّهُ اسْتَوْفَاهَا حَالَ رِقِّهِ كَمَسْأَلَةِ الْإِجَارَةِ بِخِلَافِهَا فِي تِلْكَ فَإِنَّهَا وَقَعَتْ لِلْأَجْنَبِيِّ، فَكَانَ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ ‏(‏فَإِنْ عَيَّنَ‏)‏ السَّيِّدُ ‏(‏لِلْأَدَاءِ كَسْبَهُ أَوْ غَيْرَهُ‏)‏ مِنْ أَمْوَالِ السَّيِّدِ ‏(‏قَضَى مِنْهُ‏)‏ لِتَصْرِيحِهِ بِذَلِكَ‏:‏‏.‏

المتن‏:‏

وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ تَعَلَّقَ بِمَا فِي يَدِهِ وَمَا يَكْسِبُهُ بَعْدَ الْإِذْنِ، وَإِلَّا فَبِمَا يَكْسِبُهُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

نَعَمْ إنْ قَالَ لَهُ‏:‏ اضْمَنْ فِي مَالٍ التِّجَارَةِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَحَجَرَ الْقَاضِي عَلَيْهِ بِاسْتِدْعَاءِ الْغُرَمَاءِ لَمْ يُؤَدِّ مِمَّا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ حَقِّ الْغُرَمَاءِ سَابِقٌ‏.‏ أَمَّا إذَا لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ فَيَتَعَلَّقُ بِالْفَاضِلِ عَنْ حُقُوقِ الْغُرَمَاءِ رِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ اقْتَصَرَ لَهُ عَلَى الْإِذْنِ فِي الضَّمَانِ ‏(‏فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ تَعَلَّقَ‏)‏ غَرِمَ الضَّمَانَ ‏(‏بِمَا فِي يَدِهِ‏)‏ وَقْتَ الْإِذْنِ فِي الضَّمَانِ رِبْحًا وَرَأْسَ مَالٍ ‏(‏وَمَا يَكْسِبُهُ بَعْدَ الْإِذْنِ‏)‏ لَهُ فِي الضَّمَانِ كَمَا فِي الْمَهْرِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ لِمَ اعْتَبَرُوا فِي الْكَسْبِ هُنَا حُدُوثَهُ بَعْدَ الْإِذْنِ، وَثَمَّ حُدُوثَهُ بَعْدَ النِّكَاحِ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الدَّيْنَ الْمَضْمُونَ كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الْإِذْنِ فِي الضَّمَانِ فَتَعَلَّقَ بِمَا بَعْدَ الْإِذْنِ، بِخِلَافِ الْمَهْرِ وَسَائِرِ مُؤَنِ النِّكَاحِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ ‏(‏فَبِمَا‏)‏ أَيْ فَيَتَعَلَّقُ غُرْمُ الضَّمَانِ بِمَا ‏(‏يَكْسِبُهُ‏)‏ بَعْدَ إذْنٍ فِيهِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي‏:‏ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ فِي الْقِسْمَيْنِ يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ‏.‏ وَالثَّالِثُ‏:‏ فِي الْأَوَّلِ يَتَعَلَّقُ بِمَا يَكْسِبُهُ بَعْدَ الْإِذْنِ فَقَطْ‏.‏ وَالرَّابِعُ‏:‏ يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ وَبِالرِّبْحِ الْحَاصِلِ فِي يَدِهِ فَقَطْ‏.‏ وَالثَّالِثُ‏:‏ فِي الثَّانِي يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةِ، وَالْمُبَعَّضِ إذَا لَمْ تَجْرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ، أَوْ جَرَتْ وَضَمِنَ فِي نَوْبَةِ سَيِّدِهِ كَالْقِنِّ فِيمَا ذُكِرَ‏.‏ أَمَّا إذَا جَرَتْ مُهَايَأَةٌ فِي الْمُبَعَّضِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الضَّمَانُ إذَا ضَمِنَ فِي نَوْبَتِهِ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَيَصِحُّ ضَمَانُ الْمُكَاتَبِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ لَا بِدُونِهِ كَسَائِرِ تَبَرُّعَاتِهِ‏.‏ وَيُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ لَوْ ضَمِنَ سَيِّدَهُ صَحَّ‏.‏

وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَوْقُوفُ، فَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ‏:‏ يَنْبَغِي أَنْ يُجْزَمَ بِعَدَمِ صِحَّةِ ضَمَانِهِ إذَا قُلْنَا بِالْمَشْهُورِ‏:‏ إنَّهُ لَا يَصِحُّ عِتْقُهُ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ دُونَ مَنْفَعَتِهِ أَوْ بِالْعَكْسِ كَالْقِنِّ، لَكِنْ هَلْ الْمُعْتَبَرُ إذْنُ مَالِكِ الرَّقَبَةِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ خِلَافٌ يُلْتَفَتُ إلَى أَنَّ ضَمَانَ الْقِنِّ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ أَوْ بِذِمَّتِهِ أَوْ بِكَسْبِهِ‏؟‏‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَوْصَى بِمَنْفَعَتِهِ أَبَدًا فَلَا سَبِيلَ إلَى التَّعَلُّقِ بِكَسْبِهِ بِإِذْنِ مَالِكِ الرَّقَبَةِ بِمُفْرَدِهِ، فَإِمَّا أَنْ يُعْتَبَرُ إذْنُهُمَا جَمِيعًا أَوْ لَا يَصِحُّ ا هـ‏.‏

وَالْأَوْجَهُ مَا قَالَ شَيْخِي‏:‏ اعْتِبَارُ إذْنِهِمَا؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ يَتَعَلَّقُ بِالْأَكْسَابِ النَّادِرَةِ وَهِيَ لِمَالِكِ الرَّقَبَةِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَنَّ الْأَوْجَهَ اعْتِبَارُ إذْنِ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ بِنَاءً عَلَى الشَّقِّ الْأَخِيرِ مِنْ كَلَامِ الْمَطْلَبِ، وَيَصِحُّ ضَمَانُ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهَا‏.‏

المتن‏:‏

وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ مَعْرِفَةِ الْمَضْمُونِ لَهُ، وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ وَرِضَاهُ،

الشَّرْحُ‏:‏

‏.‏ ثُمَّ شَرَعَ فِي شَرْطِ الْمَضْمُونِ لَهُ وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي فَقَالَ‏:‏ ‏(‏وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ مَعْرِفَةِ الْمَضْمُونِ لَهُ‏)‏ وَهُوَ مُسْتَحِقُّ الدَّيْنِ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ تَشْدِيدًا وَتَسْهِيلًا، وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ مَعْرِفَةَ وَكِيلِ الْمَضْمُونِ كَمَعْرِفَتِهِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِهِ، وَجَرَى بَيْنَ ابْنِ الصَّلَاحِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي ذَلِكَ مُحَاوَرَاتٌ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ لَا يُوَكِّلُ إلَّا مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ فِي الطَّلَبِ، فَيَكُونُ الْمُوَكِّلُ أَسْهَلَ فِي ذَلِكَ غَالِبًا‏.‏

وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ الظَّاهِرُ الْمُخْتَارُ الصِّحَّةُ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ، وَقَدْ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ عَلَى الْمُعَامَلَةِ لِلْأَيْتَامِ وَالْمَحْجُورِينَ الَّذِينَ لَا يَعْرِفهُمْ الْمَدِينُ بِحَالٍ، وَالْمُمَارَاةُ فِيهِ جُمُودٌ لَا يَلِيقُ بِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَمَنْ دُونَهُ ا هـ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ لَا يُشْتَرَطُ لِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ الْمُتَقَدِّمِ فَإِنَّهُ ضَمِنَ لِمَنْ لَا يَعْرِفُهُ؛ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْأَلْهُ هَلْ يَعْرِفُهُ أَوْ لَا فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ‏:‏ مَعْرِفَةِ الْمَضْمُونِ لَهُ‏:‏ أَيْ مَعْرِفَةِ الضَّامِنِ الْمَضْمُونَ لَهُ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ فِي التَّنْبِيهِ وَالْحَاوِي، فَأَضَافَ الْمَصْدَرَ إلَى الْمَفْعُولِ وَهُوَ قَلِيلٌ‏.‏ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ‏:‏ وَالْمُرَادُ مَعْرِفَتُهُ بِالْعَيْنِ لَا الِاسْمِ وَالنَّسَبِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَا الْمُعَامَلَةِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمُعِينِ ‏(‏وَ‏)‏ الْأَصَحُّ عَلَى الْأَوَّلِ ‏(‏أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ‏)‏ لِلضَّمَانِ ‏(‏وَ‏)‏ لَا ‏(‏رِضَاهُ‏)‏ لِعَدَمِ التَّعَرُّضِ لِذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ السَّابِقِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ يُشْتَرَطُ الرِّضَا، ثُمَّ الْقَبُولُ لَفْظًا‏.‏ وَالثَّالِثُ‏:‏ يُشْتَرَطُ الرِّضَا دُونَ الْقَبُولِ لَفْظًا

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ زَادَ لَا قَبْلَ رِضَاهُ كَمَا قَدَّرْتهَا تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ نَفْيُ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَمَعَ حَذْفِهَا لَا يُسْتَفَادُ إلَّا نَفْي الْهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ، وَحِينَئِذٍ فَيَصْدُقُ الْكَلَامُ بِالْوَجْهِ الثَّالِثِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمَضْمُونِ عَنْهُ قَطْعًا، وَلَا مَعْرِفَتُهُ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

، ثُمَّ شَرَعَ فِي ذِكْرِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ حُرًّا كَانَ أَوْ رَقِيقًا مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ، فَقَالَ ‏(‏وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمَضْمُونِ عَنْهُ‏)‏ وَهُوَ الْمَدِينُ ‏(‏قَطْعًا‏)‏؛ لِأَنَّ قَضَاءَ دَيْنِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ جَائِزٌ فَالْتِزَامُهُ أَوْلَى، وَكَمَا يَصِحُّ الضَّمَانُ عَنْ الْمَيِّتِ اتِّفَاقًا، وَإِنْ لَمْ يَخْلُفْ وَفَاءً ‏(‏وَلَا مَعْرِفَتُهُ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ قِيَاسًا عَلَى رِضَاهُ، إذْ لَيْسَ ثَمَّ مُعَامَلَةٌ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ يُشْتَرَطُ لِيَعْرِفَ هَلْ هُوَ مُوسِرٌ أَوْ مِمَّنْ يُبَادِرُ إلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ أَوْ يَسْتَحِقُّ اصْطِنَاعَ الْمَعْرُوفِ أَوْ لَا، وَرَدَّ بِأَنَّ اصْطِنَاعَ الْمَعْرُوفِ لِأَهْلِهِ وَلِغَيْرِ أَهْلِهِ مَعْرُوفٌ‏.‏

المتن‏:‏

وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَضْمُونِ كَوْنُهُ ثَابِتًا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي شَرْطِ الْمَضْمُونِ وَهُوَ الرُّكْنُ الرَّابِعُ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَضْمُونِ‏)‏ وَهُوَ الدَّيْنُ أَوْ الْعَيْنُ الْمَضْمُونَةُ ‏(‏كَوْنُهُ‏)‏ حَقًّا ‏(‏ثَابِتًا‏)‏ حَالَ الْعَقْدِ فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ، سَوَاءٌ أَجَرَى سَبَبَ وُجُوبِهِ‏:‏ كَنَفَقَةِ مَا بَعْدَ الْيَوْمِ لِلزَّوْجَةِ وَخَادِمهَا أَمْ لَا كَضَمَانِ مَا سَيُقْرِضُهُ لِفُلَانٍ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَثِيقَةُ الْحَقِّ فَلَا يَسْبِقُهُ كَالشَّهَادَةِ، فَيَصِحُّ بِنَفَقَةِ الْيَوْمِ لِلزَّوْجَةِ وَمَا قَبْلَهُ لِثُبُوتِهِ لَا بِنَفَقَةِ الْقَرِيبِ لِمُسْتَقْبَلٍ كَمَا مَرَّ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَفِي يَوْمِهِ وَجْهَانِ‏:‏ صَحَّحَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْهُمَا الْمَنْعَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ سَبِيلَهَا سَبِيلُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ لَا سَبِيلَ الدُّيُونِ، وَلِهَذَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَضِيَافَةِ الْغَيْرِ، وَيَكْفِي فِي ثُبُوتِ الْحَقِّ اعْتِرَافُ الضَّامِنِ لَا ثُبُوتُهُ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ فَلَوْ قَالَ شَخْصٌ‏:‏ لِزَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو مِائَةٌ، وَأَنَا ضَامِنُهُ فَأَنْكَرَ عَمْرٌو فَلِزَيْدٍ مُطَالَبَةُ الْقَائِلِ فِي الْأَصَحِّ، ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ‏:‏ ثَابِتًا صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ‏:‏ أَيْ حَقًّا ثَابِتًا كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ، وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي كُتُبِهِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ فَيَشْمَلُ الْأَعْيَانَ الْمَضْمُونَةَ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ أَيْضًا، وَسَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا، وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ كَانَ مَالًا أَمْ عَمَلًا فِي الذِّمَّةِ بِالْإِجَارَةِ بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَعْيَانِ صَرَّحَ فِيهِ بِالدَّيْنِ‏.‏

المتن‏:‏

وَصَحَّحَ الْقَدِيمُ ضَمَانَ مَا سَيَجِبُ، وَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ ضَمَانِ الدَّرَكِ بَعْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ وَهُوَ أَنْ يَضْمَنَ لِلْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا أَوْ مَعِيبًا أَوْ نَاقِصًا لِنَقْصِ الصَّنْجَةِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

فَقَالَ هُنَاكَ‏:‏ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ دَيْنًا ثَابِتًا ‏(‏وَصَحَّحَ‏)‏ فِي ‏(‏الْقَدِيمِ ضَمَانَ مَا سَيَجِبُ‏)‏ كَثَمَنِ مَا سَيَبِيعُهُ أَوْ مَا سَيُقْرِضُهُ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ تَدْعُو إلَيْهِ ‏(‏وَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ ضَمَانِ الدَّرَكِ‏)‏ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِهَا، وَهُوَ التَّبِعَةُ‏:‏ أَيْ الْمُطَالَبَةُ وَالْمُؤَاخَذَةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ ثَابِتٌ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ تَدْعُو إلَى مُعَامَلَةِ الْغَرِيبِ وَيَخَافُ أَنْ يُخْرِجَ مَا يَبِيعُهُ مُسْتَحَقًّا وَلَا يُظْفَرُ بِهِ فَاحْتِيجَ إلَى التَّوَثُّقِ بِهِ، وَيُسَمَّى أَيْضًا ضَمَانُ الْعُهْدَةِ لِالْتِزَامِ الضَّامِنِ مَا فِي عُهْدَةِ الْبَائِعِ رَدُّهُ، وَالْعُهْدَةُ فِي الْحَقِيقَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الصَّكِّ الْمَكْتُوبِ فِيهِ الثَّمَنُ، وَلَكِنَّ الْفُقَهَاءَ يَسْتَعْمِلُونَهُ فِي الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي الْعُهْدَةِ مَجَازًا، تَسْمِيَةً لِلْحَالِّ بِاسْمِ الْمَحَلِّ ‏(‏بَعْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَضْمَنُ مَا دَخَلَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَلَا يَدْخُلُ الثَّمَنُ فِي ضَمَانِهِ إلَّا بِقَبْضِهِ، وَخَرَجَ بِبَعْدِ قَبْضِ الثَّمَنِ مَا لَوْ ثَبَتَ دَيْنٌ عَلَى غَائِبٍ فَبَاعَ الْحَاكِمُ عَقَارَهُ مِنْ الْمُدَّعِي بِدَيْنِهِ وَضَمِنَ لَهُ الدَّرَكَ شَخْصٌ إنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا؛ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الضَّمَانُ قَالَهُ الْبَغَوِيّ لِعَدَمِ الْقَبْضِ، وَنَحْوُهُ مَا فِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ‏:‏ لَوْ أَجَرَ الْمَدْيُونُ وَقْفًا عَلَيْهِ بِدَيْنِهِ وَضَمِنَ ضَمَانَ الدَّرَكِ‏.‏ ثُمَّ بَانَ بُطْلَانُ الْإِجَارَةِ لِمُخَالَفَتِهَا شَرْطَ الْوَاقِفِ لَا يَلْزَمُ الضَّامِنَ شَيْءٌ مِنْ الْأُجْرَةِ لِبَقَاءِ الدَّيْنِ الَّذِي هُوَ أُجْرَةٌ بِحَالِهِ فَلَمْ يَفُتْ عَلَيْهِ شَيْءٌ ‏(‏وَهُوَ‏)‏ أَيْ ضَمَانُ الدَّرَكِ ‏(‏أَنْ يَضْمَنَ لِلْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا‏)‏ أَوْ إنْ أَخَذَ بِشُفْعَةٍ سَابِقَةٍ عَلَى الْبَيْعِ بِبَيْعٍ آخَرَ ‏(‏أَوْ مَعِيبًا‏)‏ وَرَدَّهُ الْمُشْتَرِي ‏(‏أَوْ نَاقِصًا‏)‏ إمَّا لِرَدَاءَتِهِ أَوْ ‏(‏لِنَقْصِ الصَّنْجَةِ‏)‏ الَّتِي وُزِنَ بِهَا، وَهِيَ بِفَتْحِ الصَّادِ فَارِسِيَّةٌ وَعُرِّبَتْ وَالْجَمْعُ صِنَجٌ، وَيُقَالُ‏:‏ سِنْجَةٌ بِالسِّينِ خِلَافًا لِابْنِ السِّكِّيتِ، وَهَذَا كَالْمُسْتَثْنَى مِنْ بُطْلَانِ مَا سَيَجِبُ، وَوَجْهُ صِحَّتِهِ مَا مَرَّ، وَفِي قَوْلٍ هُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ، وَرَدَّ بِأَنَّهُ إنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ كَمَا ذُكِرَ تَبَيَّنَ وُجُوبُ رَدِّ الثَّمَنِ، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالْأَوَّلِ، وَعَلَيْهِ يُشْتَرَطُ عِلْمُ الضَّامِنِ بِقَدْرِ الثَّمَنِ، فَإِنْ جَهِلَهُ لَمْ يَصِحَّ، وَكَيْفِيَّةُ ضَمَانِ الدَّرَكِ بِالثَّمَنِ أَنْ يَقُولَ لِلْمُشْتَرِي‏:‏ ضَمِنْت لَك عُهْدَةَ الثَّمَنِ أَوْ دَرَكَهُ أَوْ خَلَاصَك مِنْهُ، فَإِنْ قَالَ‏:‏ ضَمِنْت لَك خَلَاصَ الْمَبِيعِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِلُّ بِتَخْلِيصِهِ إذَا اسْتَحَقَّ، فَإِنْ شَرَطَ فِي الْبَيْعِ كَفِيلًا بِخَلَاصِ الْمَبِيعِ بَطَلَ الْبَيْعُ لِفَسَادِ الشَّرْطِ، وَإِنْ ضَمِنَ دَرَكَ الثَّمَنِ وَخَلَاصَ الْمَبِيعِ مَعًا صَحَّ ضَمَانُ الدَّرَكِ دُونَ ضَمَانِ خَلَاصِ الْمَبِيعِ تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ، وَلَا يَخْتَصُّ ضَمَانُ الدَّرَكِ بِالثَّمَنِ، بَلْ يَجْرِي فِي الْمَبِيعِ فَيَضْمَنُهُ لِلْبَائِعِ إنْ خَرَجَ الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ مُسْتَحَقًّا أَوْ أَخَذَ بِشُفْعَةٍ سَابِقَةٍ أَوْ مَعِيبًا أَوْ نَاقِصًا إمَّا لِرَدَاءَتِهِ أَوْ لِنَقْصِ الصَّنْجَةِ، وَلَوْ ضَمِنَ عُهْدَةَ فَسَادِ الْبَيْعِ بِغَيْرِ الِاسْتِحْقَاقِ أَوْ عُهْدَةَ الْعَيْبِ أَوْ التَّلَفِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ صَحَّ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَلَا يَدْخُلُ ذَلِكَ تَحْتَ ضَمَانِ الْعُهْدَةِ بِأَنْ يَقُولَ‏:‏ ضَمِنْت لَك عُهْدَةَ أَوْ دَرَكَ الثَّمَنِ أَوْ الْمَبِيعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ اسْتِحْقَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْهُ إنَّمَا هُوَ الرُّجُوعُ بِسَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَلَوْ خَصَّ ضَمَانَ الدَّرَكِ بِنَوْعٍ كَخُرُوجِ الْمَبِيعِ مُسْتَحَقًّا لَمْ يُطَالَبْ بِجِهَةٍ أُخْرَى، وَلَوْ خَرَجَ بَعْضُ الْمَبِيعِ مُسْتَحَقًّا طُولِبَ الضَّامِنُ بِقِسْطِ الْمُسْتَحِقِّ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَدَمَ صِحَّةِ ضَمَانِ الْعُهْدَةِ لِلْمُسْتَأْجِرِ، وَفِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخَانِ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ رَجَّحَ مِنْهُمَا ابْنُ الرِّفْعَةِ الصِّحَّةَ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَيَصِحُّ ضَمَانُ عُهْدَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ بَعْدَ أَدَائِهِ لِلْمُسْلِمِ إنْ اسْتَحَقَّ رَأْسَ الْمَالِ الْمُعَيَّنِ، وَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ رَأْسِ الْمَالِ لِلْمُسْلِمِ إنْ خَرَجَ الْمُسْلَمُ فِيهِ مُسْتَحَقًّا؛ لِأَنَّهُ فِي الذِّمَّةِ وَلَا اسْتِحْقَاقَ فِيهِ يُتَصَوَّرُ، وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمَقْبُوضِ‏.‏

فَرْعٌ‏:‏

لَوْ اخْتَلَفَ الضَّامِنُ وَالْبَائِعُ فِي نَقْصِ الصَّنْجَةِ صُدِّقَ الضَّامِنُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ، أَوْ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي صُدِّقَ الْبَائِعُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ ذِمَّةَ الْمُشْتَرِي كَانَتْ مَشْغُولَةً بِخِلَافِ الضَّامِنِ فِيمَا ذُكِرَ، وَإِذَا حَلَفَ الْبَائِعُ طَالَبَ الْمُشْتَرِيَ بِالنَّقْصِ لَا الضَّامِنَ إلَّا إنْ اعْتَرَفَ أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ‏.‏ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ‏:‏ وَالْمَضْمُونُ فِي هَذَا الْفَصْلِ لَيْسَ هُوَ رَدُّ الْعَيْنِ وَإِلَّا فَكَانَ يَلْزَمُ أَنْ لَا تَجِبَ قِيمَتُهُ عِنْدَ التَّلَفِ، بَلْ الْمَضْمُونُ مَالِيَّتُهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّهِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَهَذَا لَا شَكَّ فِيهِ عِنْدِي، وَإِنْ لَمْ أَرَهُ مَسْطُورًا‏.‏

المتن‏:‏

وَكَوْنُهُ لَازِمًا، لَا كَنُجُومِ كِتَابَةٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

فَائِدَةٌ‏:‏ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ‏:‏ لَا يَضْمَنُ دَرَكَ الْمَبِيعِ إلَّا أَحْمَقُ، وَهُوَ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ‏:‏ لَا يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ إلَّا أَحْمَقُ أَوْ لِصٌّ، وَأَرَادَ بِهِ الْغَالِبَ فِي النَّاسِ ‏(‏وَكَوْنُهُ‏)‏ أَيْ الْمَضْمُونُ دَيْنًا ‏(‏لَازِمًا‏)‏ غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ كَالْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ الْمَوْتِ وَثَمَنِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَدَيْنِ السَّلَمِ لِلْحَاجَةِ إلَى التَّوَثُّقِ، لِأَنَّهُ آيِلٌ إلَى الِاسْتِقْرَارِ ‏(‏لَا كَنُجُومِ كِتَابَةٍ‏)‏؛ لِأَنَّ لِلْمُكَاتَبِ إسْقَاطَهَا بِالْفَسْخِ فَلَا مَعْنَى لِلتَّوَثُّقِ عَلَيْهِ، وَيَصِحُّ الضَّمَانُ عَنْ الْمُكَاتَبِ بِغَيْرِهَا لِأَجْنَبِيٍّ لَا لِلسَّيِّدِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ غَيْرَهَا يَسْقُطُ أَيْضًا عَنْ الْمُكَاتَبِ بِعَجْزِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ قَدْ مَرَّ أَنَّ الْحَوَالَةَ تَصِحُّ مِنْ السَّيِّدِ عَلَيْهِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَوَالَةَ يُتَوَسَّعُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ‏.‏

المتن‏:‏

وَيَصِحُّ ضَمَانُهُ الثَّمَنَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَيَصِحُّ ضَمَانُهُ الثَّمَنَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فِي الْأَصَحِّ‏)‏؛ لِأَنَّهُ آيِلٌ إلَى اللُّزُومِ بِنَفْسِهِ، فَأُلْحِقَ بِاللَّازِمِ، وَالثَّانِي‏:‏ لَا، لِعَدَمِ لُزُومِهِ فِي الْحَالِ، وَأَشَارَ الْإِمَامُ إلَى أَنَّ تَصْحِيحَ الضَّمَانِ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ لَا يَمْنَعُ نَقْلَ الْمِلْكِ فِي الثَّمَنِ إلَى الْبَائِعِ‏.‏ أَمَّا إذَا مَنَعَهُ فَهُوَ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ، وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ هُوَ الْمُتَّجَهُ حَتَّى لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ لَمْ يَصِحَّ الضَّمَانُ، وَهَذَا يُخَالِفُ الْحَوَالَةَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا تَصِحُّ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ مُطْلَقًا لِمَا مَرَّ‏.‏

المتن‏:‏

وَضَمَانُ الْجُعْلِ كَالرَّهْنِ بِهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَضَمَانُ الْجُعْلِ‏)‏ فِي الْجِعَالَةِ ‏(‏كَالرَّهْنِ بِهِ‏)‏ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَصِحُّ الرَّهْنُ بِهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ قَطْعًا، وَلَا يَصِحُّ قَبْلَهُ وَلَوْ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْأَصَحِّ، فَلَوْ قَالَ شَخْصٌ‏:‏ مَنْ رَدَّ عَبْدِي، فَلَهُ دِينَارٌ فَضَمِنَهُ عَنْهُ ضَامِنٌ قَبْلَ مَجِيءِ الْعَبْدِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ كَمَالِ الْكِتَابَةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجُعْلِ وَالثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ؛ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ إلَى اللُّزُومِ إلَّا بِالْعَمَلِ، بِخِلَافِ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ يَئُولُ إلَيْهِ بِنَفْسِهِ كَمَا مَرَّ‏.‏

المتن‏:‏

وَكَوْنُهُ مَعْلُومًا فِي الْجَدِيدِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَكَوْنُهُ‏)‏ أَيْ الْمَضْمُونِ ‏(‏مَعْلُومًا‏)‏ جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً وَعَيْنًا ‏(‏فِي الْجَدِيدِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ إثْبَاتُ مَالٍ فِي الذِّمَّةِ لِآدَمِيٍّ بِعَقْدٍ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ وَالْإِجَارَةَ، فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ الْمَجْهُولِ وَلَا غَيْرِ الْمُعَيَّنِ كَأَحَدِ الدَّيْنَيْنِ، وَالْقَدِيمُ لَا يَشْتَرِطُ ذَلِكَ، لِأَنَّ مَعْرِفَتَهُ مُتَيَسِّرَةٌ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي مَجْهُولٍ يُمْكِنُ الْإِحَاطَةُ بِهِ، مِثْلُ‏:‏ أَنَا ضَامِنٌ مَا بِعْت مِنْ زَيْدٍ، كَمَا مَثَّلَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، فَإِنْ قَالَ لِشَيْءٍ مِنْهُ بَطَلَ جَزْمًا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

جُمْلَةُ الشُّرُوطِ الَّتِي اعْتَبَرَهَا الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ ثَلَاثَةٌ‏:‏ كَوْنُهُ ثَابِتًا لَازِمًا مَعْلُومًا‏.‏ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ‏:‏ وَبَقِيَ لِلْمَضْمُونِ شَرْطٌ رَابِعٌ ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ وَأَهْمَلَهُ الشَّيْخَانِ، وَهُوَ كَوْنُهُ قَابِلًا؛ لَأَنْ يَتَبَرَّعَ بِهِ الْإِنْسَانُ عَلَى غَيْرِهِ، فَيَخْرُجُ الْقِصَاصُ وَحَدُّ الْقَذْفِ وَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ ا هـ‏.‏

وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ‏:‏ وَحَقُّ الشُّفْعَةِ ا هـ وَهَذَا الشَّرْطُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ‏:‏ ضَرَرُهُ أَكْثَرُ مِنْ نَفْعِهِ، فَإِنَّهُ يَرِدُ عَلَى طَرْدِهِ حَقُّ الْقَسْمِ لِلْمَظْلُومَةِ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ، وَيَصِحُّ التَّبَرُّعُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ لِلْمَرْأَةِ، وَعَلَى عَكْسِهِ دَيْنُ الزَّكَاةِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّبَرُّعُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ الدَّيْنُ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى يَصِحُّ ضَمَانُهُ، وَلَا يَصِحُّ التَّبَرُّعُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ الدَّيْنُ لِلْمَرِيضِ الْمُعْسِرِ أَوْ الْمَيِّتِ الْمُعْسِرِ يَصِحُّ ضَمَانُهُ وَلَا يَصِحُّ التَّبَرُّعُ بِهِ‏.‏ تَتِمَّةٌ‏:‏ يَصِحُّ ضَمَانُ رَدِّ كُلِّ عَيْنٍ مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ كَمَغْصُوبَةٍ وَمُسْتَعَارَةٍ وَمُسْتَامَةٍ وَمَبِيعٍ لَمْ يُقْبَضْ كَمَا يَصِحُّ بِالْبَدَنِ، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا الْمَالُ، وَيَبْرَأُ الضَّامِنُ بِرَدِّهَا لِلْمَضْمُونِ لَهُ وَيَبْرَأُ أَيْضًا بِتَلَفِهَا، فَلَا يَلْزَمهُ قِيمَتُهَا كَمَا لَوْ مَاتَ الْمَكْفُولُ بِبَدَنِهِ لَا يَلْزَمُ الْكَفِيلَ الدَّيْنُ، وَلَوْ ضَمِنَ قِيمَةَ الْعَيْنِ إنْ تَلِفَتْ لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْقِيمَةِ، وَمَحَلُّ صِحَّةِ ضَمَانِ الْعَيْنِ إذَا أَذِنَ فِيهِ وَاضِعُ الْيَدِ أَوْ كَانَ الضَّامِنُ قَادِرًا عَلَى انْتِزَاعِهِ مِنْهُ نَقَلَهُ شَارِحُ التَّعْجِيزِ عَنْ الْأَصْحَابِ‏.‏ أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ الْعَيْنُ مَضْمُونَةً عَلَى مَنْ هِيَ بِيَدِهِ كَالْوَدِيعَةِ وَالْمَالِ فِي يَدِ الشَّرِيكِ وَالْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ، فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهَا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا التَّخْلِيَةُ دُونَ الرَّدِّ‏.‏

المتن‏:‏

وَالْإِبْرَاءُ مِنْ الْمَجْهُولِ بَاطِلٌ فِي الْجَدِيدِ

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَالْإِبْرَاءُ‏)‏ مِنْ الْعَيْنِ بَاطِلٌ جَزْمًا وَكَذَا ‏(‏مِنْ‏)‏ الدَّيْنِ ‏(‏الْمَجْهُولِ‏)‏ جِنْسًا أَوْ قَدْرًا أَوْ صِفَةً ‏(‏بَاطِلٌ فِي الْجَدِيدِ‏)‏؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الرِّضَا وَلَا يَعْقِلُ مَعَ الْجَهَالَةِ، وَالْقَدِيمُ أَنَّهُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ مَحْضٌ كَالْإِعْتَاقِ، وَمَأْخَذُ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ أَوْ إسْقَاطٌ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِالْمُبْرَأِ مِنْهُ، وَعَلَى الثَّانِي‏:‏ لَا فَيَصِحُّ‏.‏ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ‏:‏ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا يُطْلَقُ فِيهَا تَرْجِيحٌ، بَلْ يَخْتَلِفُ التَّرْجِيحُ بِحَسَبِ الْمَسَائِلِ لِقُوَّةِ الدَّلِيلِ وَضَعْفِهِ‏.‏ ا هـ‏.‏

وَالتَّحْقِيقُ فِيهِ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخِي أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي مُقَابَلَةِ طَلَاقٍ اُشْتُرِطَ عِلْمُ كُلٍّ مِنْ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى الْمُعَاوَضَةِ وَإِلَّا فَهُوَ تَمْلِيكٌ مِنْ الْمُبَرِّئِ إسْقَاطٌ عَنْ الْمُبْرَأِ عَنْهُ فَيُشْتَرَطُ عِلْمُ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، وَطَرِيقُ الْإِبْرَاءِ مِنْ الْمَجْهُولِ أَنَّهُ يَذْكُرُ عَدَدًا يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ كَمَنْ لَا يَعْلَمُ هَلْ لَهُ عَلَيْهِ خَمْسَةٌ أَوْ عَشَرَةٌ فَيُبَرِّئُهُ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ مَثَلًا‏.‏

المتن‏:‏

إلَّا مِنْ إبِلِ الدِّيَةِ، وَيَصِحُّ ضَمَانُهَا فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏إلَّا مِنْ إبِلِ الدِّيَةِ‏)‏ فَيَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مِنْهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ مَجْهُولَةَ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّهُ اُغْتُفِرَ ذَلِكَ فِي إثْبَاتِهَا فِي ذِمَّةِ الْجَانِي فَيُغْتَفَرُ فِي الْإِبْرَاءِ تَبَعًا لَهُ ‏(‏وَيَصِحُّ ضَمَانُهَا فِي الْأَصَحِّ‏)‏ كَالْإِبْرَاءِ؛ وَلِأَنَّهَا مَعْلُومَةُ السِّنِّ وَالْعَدَدِ وَيَرْجِعُ فِي صِفَتِهَا إلَى غَالِبِ إبِلِ الْبَلَدِ، وَالثَّانِي‏:‏ لَا لِجَهَالَةِ وَصْفِهَا، وَالْإِبْرَاءُ مَطْلُوبٌ فَوُسِّعَ فِيهِ بِخِلَافِ الضَّمَانِ، فَالْوَجْهَانِ عَلَى الْجَدِيدِ، وَيَصِحُّ عَلَى الْقَدِيمِ جَزْمًا، وَعَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الضَّمَانِ يَرْجِعُ ضَامِنُهَا إذَا ضَمِنَهَا بِالْإِذْنِ وَغَرِمَهَا بِمِثْلِهَا لَا بِقِيمَتِهَا كَالْقَرْضِ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي‏.‏ وَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ الدِّيَةِ عَنْ الْعَاقِلَةِ قَبْلَ الْحُلُولِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ ثَابِتَةٍ بَعْدُ، وَلَوْ سَلَّمَ ثُبُوتَهَا فَلَيْسَتْ لَازِمَةً وَلَا آيِلَةً إلَى اللُّزُومِ عَنْ قُرْبٍ بِخِلَافِ الثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ‏.‏ فُرُوعٌ‏:‏ لَوْ مَلَّكَهُ مَدِينُهُ مَا فِي ذِمَّتِهِ بَرِيءَ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ أَوْ قَرِينَةٍ وَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ كَالْإِبْرَاءِ وَلَوْ أَبْرَأَ أَحَدَ خَصْمَيْهِ مُبْهِمًا لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ أَبْرَأَ وَارِثٌ عَنْ دَيْنِ مُوَرِّثِهِ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِهِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ مَوْتُهُ صَحَّ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَلَوْ ضَمِنَ عَنْهُ زَكَاتَهُ صَحَّ كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ، وَيُعْتَبَرُ الْإِذْنُ عِنْدَ الْأَدَاءِ، إذَا ضَمِنَ عَنْ حَيٍّ، فَإِنْ ضَمِنَ عَنْ مَيِّتٍ جَازَ الْأَدَاءُ عَنْهُ‏.‏ وَإِنْ انْتَفَى الْإِذْنُ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ قَالَ‏:‏ ضَمِنْت مَا لَك عَلَى زَيْدٍ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ فَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ، وَأَنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا لِعَشَرَةٍ‏.‏ قُلْتُ‏:‏ الْأَصَحُّ لِتِسْعَةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

وَلَوْ اسْتَحَلَّ مِنْهُ مِنْ غِيبَةٍ اغْتَابَهَا وَلَمْ يُعَيِّنْهَا لَهُ فَأَحَلَّهُ مِنْهَا فَهَلْ يَبْرَأُ مِنْهَا أَوْ لَا‏؟‏ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا‏:‏ نَعَمْ، لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ مَحْضٌ كَمَنْ قَطَعَ عُضْوًا مِنْ عَبْدٍ، ثُمَّ عَفَا سَيِّدُهُ عَنْ الْقِصَاصِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ عَيْنَ الْمَقْطُوعِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ لَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ رِضَاهُ وَلَا يُمْكِنُ الرِّضَا بِالْمَجْهُولِ وَيُفَارِقُ الْقِصَاصَ بِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْهُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ بِخِلَافِ إسْقَاطِ الْمَظَالِمِ، وَبِهَذَا جَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي أَذْكَارِهِ‏.‏ قَالَ‏:‏ لِأَنَّهُ قَدْ يُسَامِحُ بِشَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ، وَزَعَمَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ الْأَصَحَّ خِلَافُهُ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ مِنْ أَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الْحَلِيمِيِّ وَغَيْرِهِ الْجَزْمُ بِهِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ ‏(‏وَلَوْ قَالَ‏:‏ ضَمِنْت مَا لَك عَلَى زَيْدٍ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ فَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ‏)‏ لِانْتِفَاءِ الْغَرَرِ بِذِكْرِ الْغَايَةِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ لَا يَصِحُّ لِجَهَالَةِ الْمِقْدَارِ فَإِنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الدِّرْهَمِ وَالْعَشَرَةِ ‏(‏وَ‏)‏ الْأَصَحُّ عَلَى الْأَوَّلِ ‏(‏أَنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا لِعَشَرَةٍ‏)‏ إنْ كَانَتْ عَلَيْهِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا إدْخَالًا لِلطَّرَفَيْنِ فِي الِالْتِزَامِ‏.‏ ‏(‏قُلْتُ‏:‏ الْأَصَحُّ لِتِسْعَةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏)‏ إدْخَالًا لِلطَّرَفِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ مَبْدَأُ الِالْتِزَامِ، وَقِيلَ لِثَمَانِيَةٍ إخْرَاجًا لِلطَّرَفَيْنِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ رَجَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الطَّلَاقِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ وُقُوعَ الثَّلَاثِ، وَقِيَاسُهُ تَعَيُّنُ الْعَشَرَةِ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الطَّلَاقَ مَحْصُورٌ فِي عَدَدٍ فَالظَّاهِرُ آسْتِيفَاؤُهُ بِخِلَافِ الدَّيْنِ، وَلَوْ ضَمِنَ مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةٍ لَزِمَهُ ثَمَانِيَةٌ كَمَا فِي الْإِقْرَارِ، وَلَوْ كَانَ جَاهِلًا بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَقَالَ‏:‏ ضَمِنْت دَرَاهِمَك الَّتِي عَلَى فُلَانٍ صَحَّ فِي ثَلَاثَةٍ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي التَّفْوِيضِ فِي الصَّدَاقِ لِدُخُولِهَا فِي اللَّفْظِ بِكُلِّ حَالٍ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏فِي كَفَالَةِ الْبَدَنِ‏]‏

المتن‏:‏

الْمَذْهَبُ صِحَّةُ كَفَالَةِ الْبَدَنِ‏.‏ فَإِنْ كَفَلَ بَدَنَ مَنْ عَلَيْهِ مَالٌ لَمْ يُشْتَرَطْ الْعِلْمُ بِقَدْرِهِ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مِمَّا يَصِحُّ ضَمَانُهُ، وَالْمَذْهَبُ صِحَّتُهَا بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ عُقُوبَةٌ لِآدَمِيٍّ كَقِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ، وَمَنْعُهَا فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

فَصْلٌ فِي كَفَالَةِ الْبَدَنِ، وَتُسَمَّى أَيْضًا كَفَالَةَ الْوَجْهِ ‏(‏الْمَذْهَبُ صِحَّةُ كَفَالَةِ الْبَدَنِ‏)‏ فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي مَنْعُهَا فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهِيَ الْتِزَامُ إحْضَارِ الْمَكْفُولِ إلَى الْمَكْفُولِ لَهُ لِلْحَاجَةِ إلَيْهَا، وَاسْتُؤْنِسَ لَهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنْ اللَّهِ لِتَأْتُنَّنِي بِهِ‏}‏ وَفِي قَوْلٍ لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ‏.‏ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي‏:‏ الْقَطْعُ بِالْأَوَّلِ‏.‏ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ كَفَالَةُ الْبَدَنِ ضَعِيفَةٌ أَرَادَ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ ‏(‏فَإِنْ كَفَلَ بَدَنَ مَنْ عَلَيْهِ مَالٌ لَمْ يُشْتَرَطْ الْعِلْمُ بِقَدْرِهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ تَكَفَّلَ بِالْبَدَنِ لَا بِالْمَالِ ‏(‏وَ‏)‏ لَكِنْ ‏(‏يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ‏)‏ أَيْ الْمَالِ ‏(‏مِمَّا يَصِحُّ ضَمَانُهُ‏)‏ فَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِبَدَنِ الْمُكَاتَبِ لِلنُّجُومِ الَّتِي عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ ضَمَانُهَا كَمَا مَرَّ

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ‏:‏ كَأَصْلِهِ‏:‏ مَنْ عَلَيْهِ مَالٌ يُوهِمُ أَنَّ الْكَفَالَةَ لَا تَصِحُّ بِبَدَنِ مَنْ عِنْدَهُ مَالٌ لِغَيْرِهِ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ تَصِحُّ، وَإِنْ كَانَ الْمَالُ أَمَانَةً كَوَدِيعَةٍ؛ لِأَنَّ الْحُضُورَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ فَيَشْمَلُهُ الضَّابِطُ الْآتِي ‏(‏وَالْمَذْهَبُ صِحَّتُهَا بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ عُقُوبَةٌ لِآدَمِيٍّ كَقِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ‏)‏ وَتَعْزِيرٍ، لِأَنَّهُ حَقٌّ لَازِمٌ فَأَشْبَهَ الْمَالَ، وَفِي قَوْلٍ لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الدَّفْعِ فَتُقْطَعُ الذَّرَائِعُ الْمُؤَدِّيَةُ إلَى تَوْسِيعِهَا‏.‏ وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالْأَوَّلِ وَبَعْضُهُمْ بِالثَّانِي ‏(‏وَ‏)‏ الْمَذْهَبُ ‏(‏مَنْعُهَا فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى‏)‏ كَحَدِّ الْخَمْرِ وَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ؛ لِأَنَّهَا يَسْعَى فِي دَفْعِهَا مَا أَمْكَنَ‏.‏ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي قَوْلَانِ ثَانِيهُمَا الصِّحَّةُ كَحُدُودِ الْآدَمِيِّينَ، وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ مَحَلُّ الْمَنْعِ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى مَا لَمْ يَتَحَتَّمْ اسْتِيفَاءُ الْعُقُوبَةِ، فَإِنْ تَحَتَّمَ فَيُشْبِهُ أَنْ يَحْكُمَ بِالصِّحَّةِ ضَعِيفٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ‏.‏

المتن‏:‏

وَتَصِحُّ بِبَدَنِ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمَحْبُوسٍ وَغَائِبٍ وَمَيِّتٍ لِيُحْضِرَهُ فَيَشْهَدَ عَلَى صُورَتِهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

تَنْبِيهٌ الضَّابِطُ لِصِحَّةِ الْكَفَالَةِ وُقُوعُهَا بِإِذْنٍ مِنْ الْمَكْفُولِ مَعَ مَعْرِفَةِ الْكَفِيلِ لَهُ بِبَدَنِ مَنْ لَزِمَهُ إجَابَةٌ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ أَوْ اسْتَحَقَّ إحْضَارَهُ إلَيْهِ عِنْدَ الِاسْتِعْدَاءِ لِلْحَقِّ كَالْكَفَالَةِ بِبَدَنِ امْرَأَةٍ يَدَّعِي رَجُلٌ زَوْجِيَّتَهَا؛ لِأَنَّ الْحُضُورَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهَا، أَوْ بِبَدَنِ رَجُلٍ تَدْعِي آمْرَأَةٌ زَوْجِيَّتَهُ، أَوْ بِبَدَنِ امْرَأَةٍ لِمَنْ ثَبَتَتْ زَوْجِيَّتُهُ، وَكَذَا عَكْسُهُ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا، وَكَأَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مُوَلِّيًا ‏(‏وَتَصِحُّ‏)‏ الْكَفَالَةُ ‏(‏بِبَدَنِ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ‏)‏ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَسْتَحِقُّ إحْضَارَهُمَا لِمَجْلِسِ الْحُكْمِ لِإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ لِيَشْهَدَ عَلَى صُورَتِهِمَا فِي الْإِتْلَافَاتِ وَغَيْرِهَا إذَا تَحَمَّلُوا الشَّهَادَةَ كَذَلِكَ وَلَمْ يَعْرِفُوا اسْمَهُمَا وَنَسَبَهُمَا، وَيُطَالِبُ الْكَفِيلُ وَلِيَّهُمَا بِإِحْضَارِهِمَا عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، فَإِنْ صَدَرَ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ فَكَالْكِفَالَةِ بِبَدَنِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ بِغَيْرِ إذْنِهِ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي كَفَالَةِ بَدَنِ السَّفِيهِ إذْنُ وَلِيِّهِ، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ ا هـ‏.‏

وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ ‏(‏وَ‏)‏ بِبَدَنِ ‏(‏مَحْبُوسٍ وَغَائِبٍ‏)‏ بِإِذْنِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي عُمُومِ اللَّفْظِ؛ لِأَنَّ حُصُولَ الْمَقْصُودِ مُتَوَقَّعٌ، وَإِنْ تَعَذَّرَ تَحْصِيلُ الْغَرَضِ فِي الْحَالِ كَمَا يَصِحُّ ضَمَانُ الْمُعْسِرِ الْمَالَ‏.‏ وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ يَلْزَمُهُ الْحُضُورُ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ أَمْ لَا حَتَّى لَوْ أَذِنَ، ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى بَلَدٍ بِهَا حَاكِمٌ، أَوْ إلَى فَوْقِ مَسَافَةِ الْعَدْوَى فَوَقَعَتْ بَعْدَ ذَلِكَ صَحَّتْ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْحُضُورُ مَعَهُ لِأَجْلِ إذْنِهِ فِي ذَلِكَ، بَلْ لَوْ كَانَ فَوْقَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا سَيَأْتِي ‏(‏وَ‏)‏ بِبَدَنِ ‏(‏مَيِّتٍ لِيُحْضِرَهُ فَيَشْهَدَ‏)‏ بِفَتْحِ الْهَاءِ ‏(‏عَلَى صُورَتِهِ‏)‏ إذَا تَحَمَّلَ كَذَلِكَ وَلَمْ يَعْرِفْ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ‏.‏ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ قَبْلَ دَفْنِهِ وَقَبْلَ تَغَيُّرِهِ، وَلَا نُقِلَ مِنْ بَلَدٍ إلَى آخَرَ، فَإِنْ حَصَلَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ‏.‏ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ‏:‏ وَيَظْهَرُ اشْتِرَاطُ إذْنِ الْوَارِثِ إذَا اشْتَرَطْنَا إذْنَ الْمَكْفُولِ‏.‏ ا هـ‏.‏

وَهُوَ كَمَا قَالَ، لَكِنْ مَحَلُّهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا فِيمَنْ يُعْتَبَرُ إذْنُهُ وَإِلَّا فَالْمُعْتَبَرُ إذْنُ وَلِيِّهِ، وَدَخَلَ فِي الْوَارِثِ بَيْتُ الْمَالِ، وَبَقِيَ مَا لَوْ مَاتَ ذِمِّيٌّ عَنْ غَيْرِ وَارِثٍ وَانْتَقَلَ مَالُهُ فَيْئًا لِبَيْتِ الْمَالِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ‏.‏

المتن‏:‏

ثُمَّ إنْ عَيَّنَ مَكَان التَّسْلِيمِ تَعَيَّنَ وَإِلَّا فَمَكَانُهَا، وَيَبْرَأُ الْكَفِيلُ بِتَسْلِيمِهِ فِي مَكَانِ التَّسْلِيمِ بِلَا حَائِلٍ كَمُتَغَلِّبٍ، وَبِأَنْ يَحْضُرَ الْمَكْفُولُ بِهِ وَيَقُولَ سَلَّمْت نَفْسِي عَنْ جِهَةِ الْكَفِيلِ، وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ حُضُورِهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏ثُمَّ إنْ عَيَّنَ‏)‏ الْكَفِيلُ فِي الْكَفَالَةِ ‏(‏مَكَانٍ التَّسْلِيمِ تَعَيَّنَ‏)‏ تَبَعًا لِشَرْطِهِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يُعَيَّنْ مَكَانًا ‏(‏فَمَكَانُهَا‏)‏ أَيْ الْكَفَالَةُ يَتَعَيَّنُ كَمَا فِي السَّلَمِ فِيهِمَا، وَكَلَامُهُمْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَوْضِعِ التَّسْلِيمِ، وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ لَهُ مَوْضِعُ التَّكَفُّلِ كَاللُّجَّةِ، أَوْ كَانَ لَهُ مُؤْنَةٌ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِنَظِيرِهِ فِي السَّلَمِ الْمُؤَجَّلِ‏.‏ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُلْحَقَ بِهِ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ أَخْذًا بِمَفْهُومِ كَلَامِهِمْ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ السَّلَمَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَالتَّكَفُّلُ مَحْضُ الْتِزَامٍ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَيُحْمَلُ عَلَى أَقْرَبِ مَوْضِعٍ صَالِحٍ لِلتَّسْلِيمِ ‏(‏وَيَبْرَأُ الْكَفِيلُ بِتَسْلِيمِهِ‏)‏ أَوْ بِتَسْلِيمِ وَكِيلِهِ ‏(‏فِي مَكَانِ التَّسْلِيمِ‏)‏ الْمَذْكُورِ ‏(‏بِلَا حَائِلٍ كَمُتَغَلِّبٍ‏)‏ يَمْنَعُ الْمَكْفُولَ لَهُ عَنْهُ لِقِيَامِهِ بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ فَإِنْ أَحْضَرَهُ مَعَ وُجُودِ الْحَائِلِ لَمْ يَبْرَأْ الْكَفِيلُ لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِتَسْلِيمِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَضِيَّةُ كَلَامِهِ عَدَمُ الْبَرَاءَةِ بِتَسْلِيمِهِ فِي غَيْرِ مَكَانِ التَّسْلِيمِ وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ كَانَ لِلْمَكْفُولِ لَهُ غَرَضٌ فِي الِامْتِنَاعِ كَفَوْتِ حَاكِمٍ أَوْ مُعَيَّنٍ، وَإِنْ امْتَنَعَ لَا لِغَرَضٍ تَسَلَّمَهُ الْحَاكِمُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ التَّسَلُّمَ حِينَئِذٍ لَازِمٌ لَهُ، فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْهُ نَابَ عَنْهُ الْحَاكِمُ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاكِمٌ سَلَّمَهُ إلَيْهِ وَأَشْهَدَ بِهِ شَاهِدَيْنِ وَيَبْرَأُ بِتَسْلِيمِهِ لِلْمَكْفُولِ لَهُ مَحْبُوسًا بِحَقٍّ لِإِمْكَانِ إحْضَارِهِ وَمُطَالَبَتِهِ بِالْحَقِّ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَحْبُوسًا بِغَيْرِ حَقٍّ لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِهِ ‏(‏وَبِأَنْ يَحْضُرَ الْمَكْفُولُ‏)‏ فِي مَكَانِ التَّسْلِيمِ ‏(‏وَيَقُولَ‏)‏ لِلْمَكْفُولِ لَهُ ‏(‏سَلَّمْت نَفْسِي عَنْ جِهَةِ الْكَفِيلِ‏)‏ كَمَا يَبْرَأُ الضَّامِنُ بِأَدَاءِ الْأَصِيلِ الدَّيْنَ، وَلَوْ سَلَّمَ نَفْسَهُ عَنْ الْكَفِيلِ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهُ‏.‏ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ‏:‏ أَشْهَدَ الْمَكْفُولُ أَنَّهُ قَدْ سَلَّمَ نَفْسَهُ عَنْ كَفَالَةِ فُلَانٍ وَبَرِئَ الْكَفِيلُ مِنْهَا، وَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الرَّفْعُ إلَى الْحَاكِمِ، ثُمَّ الْإِشْهَادُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ يَشْمَلُ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ يُسَلِّمَانِ أَنْفُسَهُمَا عَنْ جِهَةِ الْكَفِيلِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَفِيهِ وَقْفَةٌ، إذْ لَا حُكْمَ لِقَوْلِهِمَا وَلَمْ أَرَهُ نَصًّا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ قَبِلَ حَصَلَ التَّسْلِيمُ وَإِلَّا فَلَا‏.‏ ا هـ‏.‏

وَهُوَ حَسَنٌ‏.‏ ‏(‏وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ حُضُورِهِ‏)‏ مِنْ غَيْرِ قَوْلِهِ‏:‏ سَلَّمْت نَفْسِي عَنْ الْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيْهِ وَلَا أَحَدٍ عَنْ جِهَتِهِ، فَلَوْ سَلَّمَهُ إلَيْهِ أَجْنَبِيٌّ عَنْ جِهَةِ الْكَفِيلِ بِإِذْنِهِ بَرِيءَ، أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا إنْ لَمْ يَقْبَلْ، فَإِنْ قَبِلَ وَلَا يَلْزَمُهُ الْقَبُولُ بَرِيءَ الْكَفِيلُ، وَلَوْ تَكَفَّلَ بِهِ رَجُلَانِ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا فَسَلَّمَهُ أَحَدُهُمَا لَمْ يَبْرَأْ الْآخَرُ، إنْ قَالَ سَلَّمْته عَنْ صَاحِبِي كَانَ كَمَا لَوْ كَانَ بِالدَّيْنِ رَهْنَانِ فَانْفَكَّ أَحَدُهُمَا لَا يَنْفَكُّ الْآخَرُ، وَلَوْ كَفَلَ رَجُلٌ لِرَجُلَيْنِ فَسَلَّمَ إلَى أَحَدِهِمَا لَمْ يَبْرَأْ مِنْ حَقِّ الْآخَرِ، وَلَوْ تَكَافَلَ كَفِيلَانِ، ثُمَّ أَحْضَرَ أَحَدُهُمَا الْمَكْفُولَ بِهِ بَرِيءَ مُحْضِرُهُ مِنْ الْكَفَالَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، وَبَرِئَ الْآخَرُ مِنْ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ كَفِيلَهُ سَلَّمَهُ وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ هُوَ وَلَا أَحَدٌ عَنْ جِهَتِهِ، وَلَوْ أَبْرَأَ الْمَكْفُولُ لَهُ الْكَفِيلَ مِنْ حَقِّهِ بَرِيءَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ‏:‏ لَا حَقَّ لِي عَلَى الْأَصِيلِ أَوْ قِبَلَهُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ إنَّهُ الْأَقْرَبُ كَمَا يَبْرَأُ الْأَصِيلُ بِإِقْرَارِهِ الْمَذْكُورِ‏.‏

المتن‏:‏

فَإِنْ غَابَ لَمْ يَلْزَمْ الْكَفِيلَ إحْضَارُهُ إنْ جَهِلَ مَكَانَهُ، وَإِلَّا فَيَلْزَمُهُ، وَيُمْهَلُ مُدَّةَ ذَهَابٍ وَإِيَابٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏فَإِنْ غَابَ‏)‏ الْمَكْفُولُ ‏(‏لَمْ يَلْزَمْ الْكَفِيلَ إحْضَارُهُ إنْ جَهِلَ مَكَانَهُ‏)‏ لِعَدَمِ إمْكَانِهِ فَأَشْبَهَ الْمُعْسِرَ بِالدَّيْنِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ‏:‏ إنَّهُ لَا يَعْلَمُ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ عَلِمَ مَكَانَهُ ‏(‏فَيَلْزَمُهُ‏)‏ إحْضَارُهُ، وَلَوْ كَانَ فَوْقَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ كَغَيْبَةِ مَالِ الْمَدْيُونِ إلَى هَذِهِ الْمَسَافَةِ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِإِحْضَارِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ غَائِبًا عِنْد الْكَفَالَةِ كَمَا مَرَّ أَوْ غَابَ بَعْدَهَا بِشَرْطِ أَمْنِ الطَّرِيقِ، وَلَمْ يَذْهَبْ إلَى مَنْ يَمْنَعُهُ، وَمَا يَغْرَمُهُ الْكَفِيلُ مِنْ مُؤْنَةِ السَّفَرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فِي مَالِهِ ‏(‏وَيُمْهَلُ مُدَّةَ ذَهَابٍ وَإِيَابٍ‏)‏ عَلَى الْعَادَةِ لِأَنَّهُ الْمُمْكِنُ‏.‏ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ مَعَ ذَلِكَ مُدَّةُ إقَامَةِ الْمُسَافِرِينَ لِلِاسْتِرَاحَةِ وَتَجْهِيزِ الْمَكْفُولِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا ظَاهِرٌ فِي مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَأَكْثَرَ بِخِلَافِ مَا دُونَهَا‏.‏

وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَالظَّاهِرُ إمْهَالُهُ عِنْدَ الذَّهَابِ وَالْعَوْدِ لِانْتِظَارِ رُفْقَةٍ يَأْمَنُ بِهِمْ وَعِنْدَ الْأَمْطَارِ وَالثُّلُوجِ الشَّدِيدَةِ وَالْأَوْحَالِ الْمُؤْذِيَةِ الَّتِي لَا تُسْلَكُ عَادَةً، وَلَا يُحْبَسُ مَعَ هَذِهِ الْأَعْذَارِ‏.‏ ا هـ‏.‏

وَهَذَا ظَاهِرٌ

المتن‏:‏

فَإِنْ مَضَتْ وَلَمْ يُحْضِرْهُ حُبِسَ، وَقِيلَ‏:‏ إنْ غَابَ إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَمْ يَلْزَمْهُ إحْضَارُهُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا مَاتَ وَدُفِنَ لَا يُطَالَبُ الْكَفِيلُ بِالْمَالِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏فَإِنْ مَضَتْ‏)‏ أَيْ الْمُدَّةُ الْمَذْكُورَةُ ‏(‏وَلَمْ يُحْضِرْهُ حُبِسَ‏)‏‏:‏ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ إنْ لَمْ يُؤَدِّ الدَّيْنَ؛ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ فَلَوْ أَدَّاهُ، ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ، فَالْمُتَّجَهُ أَنَّ لَهُ اسْتِرْدَادَهُ‏.‏

وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ الْأَقْرَبُ عَدَمُ اسْتِرْدَادِهِ، لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِالْأَدَاءِ لِتَخْلِيصِ نَفْسِهِ‏.‏ ا هـ‏.‏

وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُتَبَرِّعًا، وَإِنَّمَا غَرِمَهُ لِلْفُرْقَةِ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ شَيْخِي‏:‏ أَنْ يُلْحَقَ بِقُدُومِهِ تَعَذُّرُ حُضُورِهِ بِمَوْتٍ وَنَحْوِهِ حَتَّى يَرْجِعَ بِهِ، وَإِذَا حُبِسَ أُدِيمَ حَبْسُهُ إلَى أَنْ يَتَعَذَّرَ إحْضَارُ الْغَائِبِ بِمَوْتٍ أَوْ جَهْلٍ بِمَوْضِعِهِ أَوْ إقَامَةٍ عِنْدَ مَنْ يَمْنَعُهُ قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ ‏(‏وَقِيلَ‏:‏ إنْ غَابَ إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ‏)‏ فَأَكْثَرَ ‏(‏لَمْ يَلْزَمْهُ إحْضَارُهُ‏)‏ كَالْوَلِيِّ وَشَاهِدِ الْأَصِيلِ، فَإِنَّ غَيْبَتَهُمَا إلَى هَذِهِ الْمَسَافَةِ كَالْغَيْبَةِ الْمُنْقَطِعَةِ‏.‏ ‏(‏وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا مَاتَ وَدُفِنَ‏)‏ أَوْ لَمْ يُدْفَنْ أَوْ هَرَبَ أَوْ تَوَارَى ‏(‏لَا يُطَالَبُ الْكَفِيلُ بِالْمَالِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَإِنَّمَا ضَمِنَ النَّفْسَ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إحْضَارِهَا، وَالثَّانِي‏:‏ يُطَالَبُ بِهِ بَدَلًا عَنْ الْإِحْضَارِ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فَائِدَةُ هَذِهِ الْوَثِيقَةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ بَيْنَ أَنْ يُخَلِّفَ الْمَكْفُولُ وَفَاءً أَمْ لَا‏.‏ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ تَبَعًا لِلسُّبْكِيِّ‏:‏ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ اخْتِصَاصُهُ بِمَا إذَا لَمْ يُخَلِّفْ ذَلِكَ‏.‏ ا هـ‏.‏

وَاحْتُرِزَ بِالْمَالِ عَنْ الْعُقُوبَةِ فَإِنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِهَا جَزْمًا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَتَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ بِالدَّفْنِ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ أَنْ لَوْ تَكَلَّم فِي بُطْلَانِ الْكَفَالَةِ، وَإِنَّمَا الْوَجْهَانِ فِي الْمُطَالَبَةِ فَيَسْتَوِي فِيهَا قَبْلَ الدَّفْنِ وَبَعْدَهُ‏.‏ ا هـ‏.‏

وَلِهَذَا قَدَّرْت فِي كَلَامِهِ أَوْ لَمْ يُدْفَنْ وَقَبْلَ الدَّفْنِ إنْ اُحْتِيجَ إلَى إحْضَارِهِ لِإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى عَيْنِهِ أَحْضَرَهُ الْكَفِيلُ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَلَا شَيْءَ عَلَى مَنْ تَكَفَّلَ بِبَدَنِ رَقِيقٍ فَمَاتَ أَوْ زَوْجَةٍ فَمَاتَتْ‏.‏

المتن‏:‏

وَأَنَّهُ لَوْ شَرَطَ فِي الْكَفَالَةِ أَنَّهُ يَغْرَمُ الْمَالَ إنْ فَاتَ التَّسْلِيمُ بَطَلَتْ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَ‏)‏ الْأَصَحُّ ‏(‏أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ فِي الْكَفَالَةِ أَنَّهُ يَغْرَمُ الْمَالَ إنْ فَاتَ التَّسْلِيمُ‏)‏ كَقَوْلِهِ كَفَلْت بَدَنَهُ بِشَرْطِ الْغُرْمِ أَوْ عَلَى أَنِّي أَغْرَمُ ‏(‏بَطَلَتْ‏)‏؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَاهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَغْرَمُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَالثَّانِي‏:‏ يَصِحُّ بِنَاءً عَلَى مُقَابِلِهِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ هَلَّا بَطَلَ الشَّرْطُ فَقَطْ كَمَا لَوْ أَقْرَضَهُ بِشَرْطِ رَدِّ مُكَسَّرٍ عَنْ صَحِيحٍ أَوْ لِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمَضْمُونِ لَهُ أَوْ ضَمِنَ الْمُؤَجَّلَ بِشَرْطِ الْحُلُولِ بِجَامِعِ أَنَّهُ زَادَ خَيْرًا‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَشْرُوطَ فِي تِلْكَ صِفَةٌ تَابِعَةٌ، وَفِي هَذِهِ أَصْلٌ يُفْرَدُ بِعَقْدٍ‏.‏ وَالتَّابِعُ يُغْتَفَرُ فِيهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْأَصْلِ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ كَفَلْت بَدَنَهُ، فَإِنْ مَاتَ فَعَلَيَّ الْمَالُ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ، وَبَطَلَ الْتِزَامُ الْمَالِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْطُ، وَإِلَّا بَطَلَتْ‏.‏

المتن‏:‏

وَأَنَّهَا لَا تَصِحُّ بِغَيْرِ رِضَا الْمَكْفُولِ

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَ‏)‏ الْأَصَحُّ ‏(‏أَنَّهَا لَا تَصِحُّ بِغَيْرِ رِضَا الْمَكْفُولِ‏)‏ الَّذِي يُعْتَبَرُ إذْنُهُ أَوْ الْوَلِيِّ حَيْثُ لَا يُعْتَبَرُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَفِيلَ لَا يَغْرَمُ الْمَالَ عِنْدَ الْعَجْزِ فَلَا فَائِدَةَ إلَّا حُضُورُ الْمَكْفُولِ، وَهُوَ لَا يَلْزَمُهُ الْحُضُورُ مَعَ الْكَفِيلِ حِينَئِذٍ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ تَصِحُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَغْرَمُ فَيَلْزَمُهُ الْمَالُ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ إحْضَارِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمَكْفُولِ لَهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمَضْمُونِ لَهُ، فَلَوْ تَكَفَّلَ بِهِ بِلَا إذْنٍ مِنْهُ لَمْ تَلْزَمْهُ إجَابَةُ الْكَفِيلِ فَلَيْسَ لِلْكَفِيلِ مُطَالَبَتُهُ، وَإِنْ طَالَبَ الْمَكْفُولُ لَهُ الْكَفِيلَ كَمَا فِي ضَمَانِ الْمَالِ بِغَيْرِ إذْنٍ إلَّا إنْ سَأَلَهُ الْمَكْفُولُ لَهُ إحْضَارَهُ كَأَنْ قَالَ لَهُ‏:‏ أَحْضِرْهُ إلَى الْقَاضِي فَإِنَّهُ إذَا أَحْضَرَهُ بِاسْتِدْعَاءِ الْقَاضِي وَجَبَ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِسَبَبِ الْكَفَالَةِ، بَلْ لِأَنَّهُ وَكِيلُ صَاحِبِ الْحَقِّ، وَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ مَسَافَةِ الدَّعْوَى، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ اسْتِدْعَاءُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ لَوْ طَلَبَ إحْضَارَ خَصْمِهِ إلَى الْقَاضِي لَمْ يَلْزَمْهُ الْحُضُورُ مَعَهُ، بَلْ يَلْزَمُهُ أَدَاءُ الْحَقِّ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِذَا امْتَنَعَ الْكَفِيلُ مِنْ إحْضَارِ الْمَكْفُولِ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ لَمْ يُحْبَسْ‏.‏ أَمَّا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَهِيَ فِيمَا إذَا لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِجَابَةُ فَإِنَّهُ حُبِسَ عَلَى مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ‏.‏

وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ‏:‏ وَهِيَ فِيمَا إذَا قَالَ لَهُ‏:‏ أَحْضِرْهُ إلَى الْقَاضِي فَلِأَنَّهُ وَكِيلٌ‏.‏ تَتِمَّةٌ‏:‏ لَوْ مَاتَ الْكَفِيلُ بَطَلَتْ الْكَفَالَةُ وَلَا شَيْءَ لِلْمَكْفُولِ لَهُ فِي تَرِكَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ مَالٌ كَمَا مَرَّ وَلَوْ مَاتَ الْمَكْفُولُ لَهُ لَمْ تَبْطُلْ وَيَبْقَى الْحَقُّ لِوَرَثَتِهِ كَمَا فِي ضَمَانِ الْمَالِ، فَلَوْ خَلَّفَ وَرَثَةً وَغُرَمَاءَ وَأَوْصِيَاءَ لَمْ يَبْرَأْ الْكَفِيلُ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْجَمِيعِ، وَيَكْفِي التَّسْلِيمُ إلَى الْمُوصَى لَهُ عَنْ التَّسْلِيمِ إلَى الْوَصِيِّ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ كَمَا رَجَّحَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ‏:‏ أَيْ إذَا كَانَ الْمُوصَى لَهُ مَحْصُورًا لَا كَالْفُقَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ‏.‏